موتٌ على مائدةٍ فارغة: أطفال فلسطين والجوع الأبدي

في أرضٍ كانت تُسمّى يوماً “مهد السلام”، يموت الأطفال اليوم موتًا لا يشبه أي موت ليسوا ضحايا الحرب فقط، بل ضحايا غيابها أيضًا، حين يسود الهدوء الظاهري وتبقى الحرب مشتعلة في بطونهم، في أحشائهم الصغيرة التي تضجّ بصمت الجوع. جوعٌ لا يُرى على شاشات الأخبار إلا كرقم، ولا يُشتمّ إلا حين تفوح رائحة الموت من أجسادٍ نحيلة، تتآكل بصمت يشبه صراخًا لا يُسمع

طفلٌ يبكي تحت سقفٍ متهالك، لا يطلب لعبة ولا كتابًا، بل فتات خبز.
طفلةٌ تنام وهي تحتضن حبة تمر، تؤجل أكلها للصباح لعلّ الغد يكون أرحم

رضيعٌ يُدفن قبل أن يتعلم النطق، كأن لسانه رفض أن يشهد على هذا العالم الجائر

الجوع في فلسطين ليس مجرّد إحساسٍ بالجوع، بل خيانة جماعية للإنسانية، موتٌ بطيء ترتكبه السياسة، ويغضّ عنه العالم الطرف، كأنّ الأطفال هناك لا ينتمون لهذا الكوكب، كأن صراخهم لا يستحق أن يُترجم إلى أي لغةٍ حيّة

في كل خيمة، أمٌّ تضع رأس ابنها على صدرها وتغني له أغنية عن قمحٍ لم يُزرع، عن فجرٍ لم يُشرق

في كل زاوية، أبٌ يحمل بين يديه طفله الجائع، لا يعرف إن كان يحتضنه كي ينام، أم كي يموت بين ذراعيه
في كل شارع، عجوز ينظر إلى السماء ليسأل الله

هل اختبأ القمر أم اختنق هو الآخر من هذا الظلم؟

الجوع في فلسطين لا يختار من يقتل: يطرق أبواب البيوت المهدّمة، يحوم حول مراكز الإغاثة الفارغة، يختبئ في عيون العاجزين، ويضحك بمرارة في وجوه الشبعانين على موائد العالم المترف

يا طفل غزة، يا من تحمل جوعك كوسامٍ على صدرك الصغير، اعذرنا
نحن الذين نكتب عنك بدل أن نُطعمك، نصرخ لأجلك بدل أن نحملك بعيدًا عن الرماد اعذرنا، فقد صرنا خبرًا في نشرةٍ باهتة، وصوتًا في عاصفةٍ لا تنتهي

لكننا نَعِدك… سنكتب
سنكتب حتى يصحو هذا العالم، حتى ترتجّ ضمائرهم من وقع كلماتنا،
حتى يعود الخبز إلى مائدتك، والحياة إلى قلبك،
وسنكتب… لا لأن الكلمات تُشبع، بل لأنها آخر ما تبقّى لنا في وجه هذا الجوع القاتل

لأطفال فلسطين الذين ماتوا وهم يحلمون برغيفٍ صغير… سلامٌ عليكم في عليائكم، فقد نسيكم الجميع، إلّا الجوع، والسماء

بقلم وحيد جلال الساحلي

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

×