عدو الإنسان هو قلبه
في عالمٍ يتّسع كل يوم للعلم والتقدّم، ويضيق في ذات الوقت بالإنسانية والمشاعر، قد يبدو غريبًا أن يُقال إن عدو الإنسان هو قلبه، لكن هذه العبارة، وإن بدت قاسية، تحمل في طيّاتها الكثير من الحقيقة.
القلب، ذاك العضو الذي يرتبط في أذهاننا بالحب والعاطفة والرحمة، قد يكون في أحيان كثيرة مصدر ضعف الإنسان، وأصل صراعاته الداخلية هو الذي يدفعه للتعلق بما يؤذيه، والتسامح مع من يطعنه، والخوف من التغيير حتى وإن كان لصالحه هو الذي يجمّله الوهم، ويخدعه الأمل، ويُبقيه أسير ذكريات انتهت.
كم من شخصٍ عرف أن الطريق مسدود، لكن قلبه قال له: “انتظر… ربما!”، فانتظر وتعثّر وتأذّى وكم من إنسانٍ قرأ الإشارات كلها، وفهم الرسائل بوضوح، لكن قلبه رفض أن يعترف، فأنكر الحقيقة، ودافع عن الكذب لأنه بدا له دافئًا وحنونًا.
القلب عدوّ الإنسان حين يتغلب على عقله، حين يُسكته، ويُخرسه، ويجرّه إلى قرارات مبنية على العاطفة لا على الحكمة. هو عدوّه حين يُزين له البقاء في أماكن لا تليق به، والعطاء لمن لا يستحق، والتضحية من أجل من لا يقدّر.
لكن هذا لا يعني أن القلب شرٌ محض بل هو نعمة عظيمة إذا ما عرفنا كيف نروّضه، ونجعل منه تابعًا لا قائدًا فالقلب لا بد أن يسير خلف العقل، لا أمامه لا بد أن يكون دليله الإحساس الممزوج بالبصيرة، لا الانسياق الأعمى خلف المشاعر.
في النهاية، ليس القلب عدوًا بطبيعته، بل حين نمنحه السلطة المطلقة على حياتنا دون وعي أو إدراك فكما أن السيف لا يقتل وحده، بل بيد من يستخدمه، كذلك القلب: قد يكون أداة للبناء أو للهدم، للنجاة أو للغرق.
فاحذر قلبك، وكن سيده لا عبده.
وحيد جلال الساحلي